سورة المدثر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}
{رَّحِيمٌ يأَيُّهَا المدثر} أصله المتدثر فأدغم وهو على الأصل في حرف أبي من تدثر لبس الدثار بكسر الدال وهو ما فوق القميص الذي يلي البدن ويسمى شعارًا لاتصاله بالبشرة والشعر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الأنصار شعار والناس دثار والتركيب على ما قيل دائر مع معنى الستر على سبيل الشمول كان الدثار ستر بالغ مكشوف نودي صلى الله عليه وسلم باسم مشتق من صفته التي كان عليها تأنيسًا له وملاطفة كما سمعت في {يأَيُّهَا المزمل} [المزمل: 1] وتدثره عليه الصلاة والسلام لما سمعت آنفًا وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعامًا فلما أكلوا قال ما تقولون في هذا الرجل فاختلفوا ثم اجتمع رأيهم على أنه سحر يؤثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر أي كما يفعل المغموم فأنزل الله تعالى: {رَّحِيمٌ يأَيُّهَا المدثر} إلى قوله تعالى: {وَلِرَبّكَ فاصبر} [المدثر: 1-7]. وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية على معنى المتحلي بها والمتزين بآثارها وقيل أطلق المدثر وأريد به الغائب عن النظر على الاستعارة والتشبيه فهو نداء له بما كان عليه في غار حراء وقيل الظاهر أن يراد بالمدثر وكذا بالمزمل الكناية عن المستريح الفارغ لأنه في أول البعثة فكأنه قيل له عليه الصلاة والسلام قد مضى زمن الراحة وجاءتك المتاعب من التكاليف وهداية الناس وأنت تعلم أنه لا ينافي إرادة الحقيقة وأمر التلطيف على حاله وقال بعض السادة أي {يا أيها الساتر} للحقيقة المحمدية بدثار الصورة الآدمية أو يا أيها الغائب عن أنظار الخليقة فلا يعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة إلى غير ذلك من العبارات والكل إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمدية من أنها حقيقة الحقائق التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق وعلى لسانها قال من قال:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة *** فلي فيه معنى شاهد بابوتي
وإنها التعين الأول وخازن السر المقفل وأنها وأنها إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى *** في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد *** صغيرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته *** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خير خلق الله كلهم
وقرأ عكرمة المدثر بتخفيف الدال وتشديد الثاء المكسورة على زنة الفاعل وعنه أيضًا المدثر بالتخفيف والتشديد على زنة المفعول من دثره وقال دثرت هذا الأمر وعصب بك أي شد والمعنى أنه المعول عليه فالعظائم به منوطة وأمور حلها وعقدها به مربوطة فكأنه قيل يا من توقف أمور الناس عليه لأنه وسيلتهم عند الله عز وجل.


{قُمْ فَأَنْذِرْ (2)}
{عَدَدًا يأَيُّهَا المزمل قُمِ} من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم وجعله أبو حيان على هذا المعنى من أفعال الشروع كقولهم قام زيد يفعل كذا وقوله:
على ما قام يشتمني لئيم ***
وقام بهذا المعنى من أخوات كاد وتعقب بأنه لا يخفى بعده هنا لأنه استعمال غير مألوف وورود الأمر منه غير معروف مع احتياجه إلى تقدير الخبر فيه وكله تعسف {فَأَنذِرْ} أي فافعل الإنذار أو أحدثه فلا يقصد منذر مخصوص وقيل يقدر المفعول خاصًا أي فأنذر عشيرتك الأقربين لمناسبته لابتداء الدعوة في الواقع وقيل يقدر عامًا أي فأنذر جميع الناس لقوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] ولم يقل هنا وبشر لأنه كان في ابتداء النبوة والإنذار هو الغالب إذ ذاك أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير وفي هذا الأمر بعد ذلك النداء إشارة عند بعض السادة إلى مقام الجلوة بعد الخلوة قالوا وإليهما الإشارة أيضًا في حديث: «كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف» الخ.


{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)}
{وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} واخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء والعظمة اعتقادًا وقولًا ويروى أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والأمر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم غني عن الاستدلال وجوز أن يحمل على تكبير الصلاة فقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قلنا: يا رسول الله كيف نقول إذا دخلنا في الصلاة فأنزل الله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفتح الصلاة بالتكبير وأنت تعلم أن نزول هذه الآية كان حيث لا صلاة أصلًا فهذا الخبر إن صح مؤول والفاء هنا وفيما بعد لإفادة معنى الشرط فكأنه قيل وما كان أي أي شيء حدث فلا تدع تكبيره عز وجل فالفاء جزائية وهي لكونها على ما قيل مزحلقة لا يضر عمل ما بعدها فيما قبلها وقيل أنها دخلت في كلامهم على توهم شرط فلما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلم يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها لذلك ثم إن في ذكر هذه الجملة بعد الأمر السابق مقدمة على سائر الجمل إشارة إلى مزيد الاهتمام بأمر التكبير وإيماء على ما قيل إلى أن المقصود الأولى من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عز وجل وينزهه من الشرك فإن أول ما يجب معرفة الله تعالى ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه والكلام عليه من باب إياك أعني واسمعي يا جاره وقد يقال لعل ذكر هذه الجملة كذلك مسارعة لتشجيعه عليه الصلاة والسلام على الإنذار وعدم مبالاته بما سواه عز وجل حيث تضمنت الإشارة إلى أن نواصي الخلائق بيده تعالى وكل ما سواه مقهور تحت كبريائه تعالى وعظمته فلا ينبغي أن يرهب إلا منه ولا يرغب إلا فيه فكأنه قيل قم فأنذر وأخصص ربك بالتكبير فلا يصدنك شيء عن الإنذار فتدبر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8